فصل: َفَرْضُ الْخُطْبَةِ وسنتها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ صَلَاة الْجُمُعَةِ:

الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ تَنْصِيفُ الصَّلَاةِ لِعَارِضٍ إلَّا أَنَّ التَّنْصِيفَ هُنَا فِي خَاصٍّ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ الظُّهْرُ وَفِيمَا قَبْلَهُ وَفِي كُلِّ رَبَاعِيَةٍ وَتَقْدِيمُ الْعَامِّ هُوَ الْوَجْهُ وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَى ذَلِكَ الْفَرَّاءُ وَالْوَاحِدِيُّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَهِيَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ إلَّا عِنْدَ ابْنِ كَجٍّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ غَلَطٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ.
وَقَالَ الْكَاكِيُّ: أُضِيفَ إلَيْهَا الْيَوْمُ وَالصَّلَاةُ ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى حُذِفَ مِنْهَا الْمُضَافُ (لَا تَصِحُّ) الْجُمُعَةُ (إلَّا بِسِتَّةِ شُرُوطٍ) هَذِهِ الشُّرُوطُ لِلْأَدَاءِ وَإِنَّمَا قَدَّمَهَا عَلَى شُرُوطِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَ وُجُودِ الْأَسْبَابِ (الْمِصْرُ أَوْ فِنَاؤُهُ) حَتَّى لَا تَجُوزَ فِي الْمَفَاوِزِ وَلَا فِي الْقُرَى وَالْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْمُصَلَّى بَلْ تَجُوزُ فِي أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجُوزُ فِي قَرْيَةٍ يَسْتَوْطِنُ فِيهَا أَرْبَعُونَ حُرًّا ذَكَرًا بَالِغًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا صَلَاةَ فِطْرٍ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ هَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ كَمَا فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ.
(وَالسُّلْطَانُ) أَيْ الْوَالِي الَّذِي لَا وَالِيَ فَوْقَهُ (أَوْ نَائِبُهُ) وَهُوَ الْأَمِيرُ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْخُطَبَاءُ وَإِنَّمَا كَانَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّقَدُّمِ وَقَدْ تَقَعُ فِي غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَتْمِيمًا لِأَمْرِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْخَطِيبِ الْمُقَرَّرِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ هَلْ يَمْلِكُ الِاسْتِنَابَةَ فِي الْخُطْبَةِ فَقَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ: لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ أَصْلًا وَلَا لِلصَّلَاةِ ابْتِدَاءً إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْمَوْلَى الْفَاضِلُ ابْنُ الْكَمَالِ فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَرْهَنَ فِيهَا عَلَى الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَطْنَبَ فِيهَا وَأَبْدَعَ وَلِكَثِيرٍ مِنْ الْفَوَائِدِ أَوْدَعَ وَلَكِنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ تَشْغَلُهُ عَنْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَفِي وَقْتِهَا وَإِلَّا فَلَا فَلْيُرَاجَعْ أَقُولُ: إنَّ الِاسْتِخْلَافَ جَائِزٌ مُطْلَقًا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي تَارِيخِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ إذْنٌ عَامٌّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَلَهُ إمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ» الْحَدِيثَ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ إمَامٌ (وَقْتَ الظُّهْرِ) أَيْ شَرْطُ أَدَائِهَا وَقْتُ الظُّهْرِ لَكِنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ لَا شَرْطٌ إلَّا أَنْ يُصَارَ إلَى الْمَجَازِ فَلَا تَجُوزُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ هَذَا حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ قَالَ: تَصِحُّ قَبْلَ الزَّوَالِ أَيْضًا وَقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ: تَصِحُّ بَعْدَهُ مُمْتَدًّا إلَى الْمَغْرِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَاحِدٌ عِنْدَهُ.
(وَالْخُطْبَةُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَلَوْ صَلَّى ثُمَّ خَطَبَ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا شَرْطٌ وَشَرْطُ الشَّيْءِ سَابِقٌ عَلَيْهِ (فِي وَقْتِهَا) أَيْ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ لَمْ تَصِحَّ.
(وَالْجَمَاعَةُ) بِالْإِجْمَاعِ.
(وَالْإِذْنُ الْعَامُّ) وَهُوَ أَنْ يُفْتَحَ أَبْوَابُ الْجَامِعِ لِلْوَارِدِينَ قَالُوا: السُّلْطَانُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَشَمِهِ فِي دَارِهِ فَإِنْ فَتَحَ الْبَابَ وَأَذِنَ إذْنًا عَامًّا جَازَتْ الصَّلَاةُ وَلَكِنْ يُكْرَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْكَافِي وَمَا لَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْقِلَاعِ مِنْ غَلْقِ أَبْوَابِهِ خَوْفًا مِنْ الْأَعْدَاءِ أَوْ كَانَتْ لَهُ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ عِنْدَ حُضُورِ الْوَقْتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ إذْنَ الْعَامِّ مُقَرَّرٌ لِأَهْلِهِ وَلَكِنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَانَ أَحْسَنَ كَمَا فِي شَرْحِ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ خِلَافُهُ لَكِنْ مَا قَرَّرْنَاهُ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ يَحْصُلُ بِفَتْحِ بَابِ الْجَامِعِ وَعَدَمِ الْمَنْعِ وَلَا مَدْخَلَ فِي غَلْقِ بَابِ الْقَلْعَةِ وَفَتْحِهِ وَلِأَنَّ غَلْقَ بَابِهَا لِمَنْعِ الْعَدُوِّ لَا لِمَنْعِ غَيْرِهِ تَدَبَّرْ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ الْعَامُّ (وَالْمِصْرُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالْقُدُورِيِّ.
وَفِي الْغَايَةِ وَإِنَّمَا قَالَ: وَيُقِيمُ الْحُدُودَ بَعْدَ قَوْلِهِ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْأَحْكَامِ لَا تَسْتَلْزِمُ إقَامَةَ الْحُدُودِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ قَاضِيَةً تُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُقِيمَ الْحُدُودَ وَكَذَلِكَ الْمُحَكِّمُ انْتَهَى أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَلْدَةَ إذَا كَانَ قَاضِيهَا أَوْ أَمِيرُهَا امْرَأَةً لَا تَكُونُ مِصْرًا فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهَا وَلَكِنْ فِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ.
وَفِي الْبَدَائِعِ: السُّلْطَانُ إذَا كَانَ امْرَأَةً فَأَمَرَتْ رَجُلًا صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ جَازَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْلُحُ سُلْطَانَةً أَوْ قَاضِيَةً فِي الْجُمُعَةِ فَتَصِحُّ إنَابَتُهَا تَدَبَّرْ (وَقِيلَ): قَائِلُهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُمَا (مَا لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُهُ فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِ لَا يَسَعُهُمْ) هَذَا رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الثَّلْجِيِّ وَإِنَّمَا أُورِدَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ هَذَا الْحَدَّ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ مُلَائِمًا بِشَرْطِ وُجُودِ السُّلْطَانِ وَنَائِبِهِ وَمُنَاسِبًا لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمِصْرُ كُلُّ بَلْدَةٍ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَوَالٍ لِدَفْعِ الْمَظَالِمِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ.
وَفِي الْغَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ فِيهِ كُلُّ مُحْتَرَفٍ وَيُوجَدُ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي مَعَاشِهِمْ وَفِيهِ فَقِيهٌ يُفْتِي وَقَاضٍ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ مَصَّرَهُ الْإِمَامُ فَهُوَ مِصْرٌ حَتَّى لَوْ بَعَثَ إلَى قَرْيَةٍ نَائِبًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ تَصِيرُ مِصْرًا فَإِذَا عَزَلَهُ يَلْتَحِقُ بِالْقُرَى (وَفِنَاؤُهُ) أَيْ الْمِصْرِ (مَا اتَّصَلَ بِهِ) أَيْ بِالْمِصْرِ (مُعَدًّا لِمَصَالِحِهِ) يَعْنِي لِحَوَائِجِ أَهْلِهِ مِنْ دَفْنِ الْمَوْتَى وَرَكْضِ الْخَيْلِ وَرَمْيِ السَّهْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالِاتِّصَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ بِالْمَزَارِعِ وَالْمَرَاعِي لَا يَكُونُ فِنَاءً لَهُ كَمَا بَيَّنَ فِي بَابِ الْمُسَافِرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَكِنْ قَدْ خَطَّأَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: فَعَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ لَا تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِبُخَارَى فِي مُصَلَّى الْعِيدِ لِأَنَّ بَيْنَ الْمِصْرِ وَبَيْنَ الْمُصَلَّى مَزَارِعَ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّةً وَأَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِ زَمَانِنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَوَابٍ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُنْكِرْ جَوَازَ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ بِبُخَارَى لَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكَمَا أَنَّ الْمِصْرَ أَوْ فِنَاءَهُ شَرْطُ جَوَازِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الْعِيدِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ.
(وَتَصِحُّ فِي مِصْرٍ) وَاحِدٍ (فِي مَوَاضِعَ هُوَ الصَّحِيحُ) وَهُوَ قَوْلُ الطَّرَفَيْنِ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ.
وَفِي الْمِنَحِ: الْأَصَحُّ الْجَوَازُ مُطْلَقًا خُصُوصًا إذَا كَانَ مِصْرًا كَبِيرًا فَإِنَّ فِي اتِّحَادِ الْمَوْضِعِ حَرَجًا بَيِّنًا لِاسْتِدْعَائِهِ تَطْوِيلَ الْمَسَافَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ.
وَفِي كَلَامِهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمِصْرُ صَغِيرًا لَا مَشَقَّةَ فِي اجْتِمَاعِ أَهْلِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا تَجُوزُ فِيهِ الزِّيَادَةُ عَلَى وَاحِدٍ.
(وَعَنْ الْإِمَامِ) لَا تَجُوزُ إلَّا (فِي مَوْضِعٍ فَقَطْ) لِأَنَّهَا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيلُ جَمَاعَتِهَا.
وَفِي جَوَازِهَا فِي مَكَانَيْنِ تَقْلِيلُهَا فَإِنْ أُدِّيَتْ فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْجُمُعَةُ لِلْأَوَّلِ تَحْرِيمَةً فَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا بَطَلَتَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ وَقِيلَ فَرَاغًا وَقِيلَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَقِيلَ: تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَلَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَ مُحَمَّدٍ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إنْ حَالَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ) كَبِيرٌ كَبَغْدَادَ أَوْ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِسْرٌ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِرَفْعِ الْجِسْرِ فِي بَغْدَادَ وَقْتَ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ كَمِصْرَيْنِ ثُمَّ كُلُّ مَوْضِعٍ وَقَعَ الشَّكُّ فِي جَوَازِ الْجُمُعَةِ بِتَفْوِيتِ شَرْطِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَنْوِيَ بِهَا الظُّهْرَ لِيَخْرُجُوا عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ بِيَقِينٍ لَوْ لَمْ تَقَعْ الْجُمُعَةُ مَوْقِعَهَا كَمَا فِي الْكَافِي.
وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لَمَّا اُبْتُلِيَ أَهْلُ مَرْوِ بِإِقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِهَا أَمَرَهُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِأَدَاءِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ حَتْمًا احْتِيَاطًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي نِيَّتِهَا فَالْأَحْسَنُ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ آخِرَ ظُهْرٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ وَلَمْ أُصَلِّهِ بَعْدُ لِأَنَّ ظُهْرَ يَوْمِهِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِآخِرِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ.
(وَمِنَى مِصْرٌ فِي الْمَوْسِمِ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهَا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِتَمَصُّرِهَا فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْمِصْرِ وَبَقَاؤُهَا مِصْرًا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّ الدُّنْيَا عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا قَرْيَةٌ أَوْ هُوَ مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ الْحَاجِّ وَلِهَذَا لَا يُصَلُّونَ فِيهَا صَلَاةَ الْعِيدِ لَهُمَا عَدَمُ التَّعْيِيدِ بِمِنًى لِلتَّخْفِيفِ لِاشْتِغَالِ الْحَاجِّ بِالْمَنَاسِكِ لَا لِعَدَمِ الْمِصْرِيَّةِ (لِلْخَلِيفَةِ أَوْ أَمِيرِ الْحِجَازِ) وَهُوَ أَمِيرُ مَكَّةَ أَوْ الْمَأْذُونُ مِنْ جِهَتِهِمْ (لَا لِأَمِيرِ الْمَوْسِمِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِأَمِيرِ الْحَاجِّ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْإِذْنُ وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُقِيمًا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا لَا تَجُوزُ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.

.الجمعة بعرفات:

(وَلَا) تَصِحُّ الْجُمُعَةُ (بِعَرَفَاتٍ) لِأَنَّهَا لَا تَتَمَصَّرُ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَحَضْرَةِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهَا مِنْ الْبَرَارِي الْقِفَارِ.

.َفَرْضُ الْخُطْبَةِ وسنتها:

(وَفَرْضُ الْخُطْبَةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (تَسْبِيحَةٌ أَوْ نَحْوُهَا) مِنْ تَهْلِيلَةٍ وَتَحْمِيدَةٍ وَتَكْبِيرَةٍ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ (وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً) عُرْفًا وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَقِيلَ مِقْدَارُ التَّشَهُّدِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَجِبُ فِي الْخُطْبَةِ تَحْمِيدَةٌ وَتَصْلِيَةٌ وَقِرَاءَةُ آيَةٍ وَمَوْعِظَةٌ فَإِنْ خَلَتْ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَتِمُّ الْخُطْبَةُ عِنْدَهُمْ.
(وَسُنَّتُهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ (أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا) قَيَّدَ بِقَائِمًا لِأَنَّهُ لَوْ خَطَبَ قَاعِدًا يُكْرَهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُتَوَارَثَ (عَلَى طَهَارَةٍ) فَإِنْ خَطَبَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ (خُطْبَتَيْنِ) خَفِيفَتَيْنِ بِقَدْرِ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَزِيَادَةُ التَّطْوِيلِ مَكْرُوهَةٌ مُسْتَقْبِلًا لِلْقَوْمِ بِوَجْهِهِ فِيهِمَا وَيَجْهَرُ فِيهِمَا لَكِنْ فِي الثَّانِيَةِ لَا كَالْأُولَى وَيَبْدَأُ بِالتَّعَوُّذِ سِرًّا (يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجَلْسَةٍ) مِقْدَارِ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ فِي الظَّاهِرِ وَتَارِكُهَا مُسِيءٌ عَلَى الْأَصَحِّ (مُشْتَمِلَتَيْنِ) صِفَةُ خُطْبَتَيْنِ (عَلَى تِلَاوَةِ آيَةٍ وَالْإِيصَاءِ بِالتَّقْوَى وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ (فَيُكْرَهُ تَرْكُ ذَلِكَ) لِمُخَالَفَتِهِ الْمُتَوَارَثَ.
(وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ وَالْخِطَابُ وَرَدَ لِلْجَمْعِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فَإِنَّهُ يَقْضِي ثَلَاثًا سِوَى الْخَطِيبِ الذَّاكِرِ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اثْنَانِ) سِوَى الْإِمَامِ لِأَنَّ لِلْمُثَنَّى حُكْمُ الْجَمَاعَةِ حَتَّى أَنَّ الْإِمَامَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمَا كَمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلِأَنَّ فِي الْجَمَاعَةِ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ.
(وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَهُ) أَيْ مَعَ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا حُرًّا مُقِيمًا سِوَى الْإِمَامِ.
(فَلَوْ نَفَرُوا) أَيْ تَفَرَّقَ الْجَمَاعَةُ (قَبْلَ سُجُودِهِ) أَيْ الْإِمَامِ وَلَوْ نَفَرُوا بَعْدَ سُجُودِهِ أَتَمَّهَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَعِنْدَهُ إذَا نَفَرُوا قَبْلَ الْقَعْدَةِ بَطَلَتْ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ دَوَامِهَا كَالْوَقْتِ (يَسْتَأْنِفُ الظُّهْرَ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِتَمَامِ الرَّكْعَةِ إذْ مَا دُونَهَا لَيْسَ بِصَلَاةٍ وَلَا عِبْرَةَ بِبَقَاءِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا بِمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ مِنْ الرِّجَالِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ.
وَفِي النَّوَادِرِ لَوْ خَطَبَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَنَفَرَ النَّاسُ وَجَاءَ آخَرُونَ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَجْزَأَهُمْ لِأَنَّهُ خَطَبَ وَالْقَوْمُ حُضُورٌ وَصَلَّى وَالْقَوْمُ حُضُورٌ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْتَأْنِفُهَا) أَيْ صَلَاةَ الظُّهْرِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَقَدْ انْعَقَدَتْ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا كَالْخُطْبَةِ (إلَّا إنْ نَفَرُوا قَبْلَ شُرُوعِهِ) فَحِينَئِذٍ يَسْتَأْنِفُ الظُّهْرَ اتِّفَاقًا.
(وَتَبْطُلُ) الْجُمُعَةُ (بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ) فَيُقْضَى الظُّهْرُ وَلَا تُقَامُ الْجُمُعَةُ.

.شَرْطُ وُجُوبِ الجمعة:

(وَشَرْطُ وُجُوبِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (سِتَّةٌ الْإِقَامَةُ بِمِصْرٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَإِنْ عَزَمَ أَنْ يَمْكُثَ فِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ الْقَرَوِيِّ الْعَازِمِ فِيهِ فَإِنَّهُ كَأَهْلِ الْمِصْرِ (وَالذُّكُورَةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْخُرُوجِ سِيَّمَا إلَى مَجْمَعِ الرِّجَالِ (وَالصِّحَّةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ وَمِثْلُهُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الضَّعِيفُ (وَالْحُرِّيَّةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَ الْمُكَاتَبِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ وَالْعَبْدِ الَّذِي حَضَرَ بَابَ الْجَامِعِ لِيَحْفَظَ دَابَّتَهُ قِيلَ: تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ: لَا تَجِبُ.
(وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّ إحْدَاهُمَا لَوْ لَمْ تَسْلَمْ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْمَى وَلَا بِمُقْعَدٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُثَنَّى أَبْطَلَتْ مَعْنَى التَّثْنِيَةِ كَالْجَمْعِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ شَرَائِطِهِ الْمَخْصُوصَةِ وَمَنْ رَامَ ذِكْرَ مُطْلَقِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ وَالْإِسْلَامَ أَيْضًا وَكَذَا لَا يُخَاطَبُ بِهَا الْمَحْبُوسُ وَالْخَائِفُ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ اللُّصُوصِ وَكَذَا مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَطَرٌ شَدِيدٌ أَوْ الثَّلْجُ أَوْ الْوَحْلُ أَوْ نَحْوُهَا (فَلَا تَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (وَجَدَ قَائِدًا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَادِرًا بِغَيْرِهِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ الْأَعْمَى بِوَاسِطَةِ الْقَائِدِ قَادِرٌ عَلَى السَّعْيِ وَكَذَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
(وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْحَجِّ) لَكِنْ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْعُيُونِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ عَلَى الْأَعْمَى الْجُمُعَةَ وَالْحَجَّ إذَا كَانَ لَهُ قَائِدٌ أَوْ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ بِهِ الْحَجَّ وَمَنْ يَحُجُّ مَعَهُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا يَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ كَالصَّحِيحِ الضَّالِّ إذَا وَجَدَ دَالًّا.
(وَمَنْ هُوَ خَارِجُ الْمِصْرِ) مُنْفَصِلًا عَنْهُ (إنْ كَانَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ) مِنْ الْمُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتٍ (تَجِبُ عَلَيْهِ) الْجُمُعَةُ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتِي) فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ صَاحِبُ الْفَتْحِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَجِبُ فِي ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْرِ مِيلٍ وَقِيلَ: قَدْرِ مِيلَيْنِ وَقِيلَ: سِتَّةٍ.
وَفِي الْوَلْوَالِجِيِّ أَنَّ الْمُخْتَارَ لِلْفَتْوَى قَدْرُ الْفَرْسَخِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الْعَامَّةِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَقِيلَ: إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ وَيَبِيتَ بِأَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ أَحْسَنُ.
وَفِي الْبَحْرِ وَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ.
(وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ إنْ أَدَّاهَا أَجْزَأَتْهُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ) لِأَنَّ السُّقُوطَ لِلتَّخْفِيفِ فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ لَكِنْ فِي هَذَا الْقَوْلِ نَوْعُ خَلَلٍ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمُكَلَّفِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ تَدَبَّرْ.
(وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَالْعَبْدُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ عُذْرَ الْحَرَجِ لَمَّا زَالَ بِحُضُورِهِمْ وَقَعَتْ جُمُعَتُهُمْ فَرْضًا فَتَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ (وَتَنْعَقِدُ) الْجُمُعَةُ (بِهِمْ) أَيْ بِحُضُورِهِمْ فَحَسْبُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَهَا) يَعْنِي إذَا صَلَّى غَيْرُ الْمَعْذُورِ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ قَبْلَ أَدَاءِ النَّاسِ الْجُمُعَةَ (جَازَ) الظُّهْرُ لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَ الْوَقْتِ فَوَقَعَ مَوْقِعَهُ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِ هِيَ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ خَلَفَ عَنْهَا وَلَا صِحَّةَ لِلْخَلَفِ مَعَ قُدْرَةِ الْأَصْلِ (مَعَ الْكَرَاهَةِ) وَفِي الْفَتْحِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَصَحَّتْ الظُّهْرُ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْفَرْضَ الْقَطْعِيَّ بِاتِّفَاقِهِمْ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُرْتَكِبًا مُحَرَّمًا غَيْرَ أَنَّ الظُّهْرَ تَقَعُ صَحِيحَةً انْتَهَى لَكِنْ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: الْحَرَامُ إنَّمَا هُوَ تَفْوِيتُ الْجُمُعَةِ لَا صَلَاةِ الظُّهْرِ قَبْلَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ التَّفْوِيتُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِلتَّفْوِيتِ بِاعْتِبَارِ اعْتِمَادِهِ عَلَيْهَا كُرِهَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ مَكْرُوهٌ حَتَّى يَلْزَمَ مَا ذُكِرَ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ (إذَا سَعَى إلَيْهَا) الْجُمُعَةِ (وَالْإِمَامُ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ (تَبْطُلُ) صَلَاةُ (ظُهْرِهِ) بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ إلَيْهَا عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ أَدْرَكَهَا أَوْ لَا لِأَنَّ السَّعْيَ مِنْ فَرَائِضِ الْجُمُعَةِ وَخَصَائِصِهَا لِلْأَمْرِ وَالِاشْتِغَالَ بِفَرَائِضِ الْجُمُعَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَا يُبْطِلُ الظُّهْرَ كَالتَّحْرِيمَةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي السَّعْيِ الِانْفِصَالُ عَنْ دَارِهِ فَلَا تَبْطُلُ قَبْلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ وَالْمَعْذُورُ كَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُقْعَدُ سَوَاءٌ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (وَقَالَا: لَا تَبْطُلُ مَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ وَيَشْرَعْ فِيهَا) لِأَنَّ السَّعْيَ دُونَ الظُّهْرِ فَلَا تَنْقُضُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالْجُمُعَةُ فَوْقَهُ فَتَنْقُضُهُ فَصَارَ كَالْمُتَوَجِّهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَيَشْرَعُ فِيهَا لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ بِدُونِ الشُّرُوعِ لَمْ يُبْطِلْ عِنْدَهُمَا وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: مَا لَمْ يَشْرَعْ لَكَانَ أَخْصَرَ.
(وَكُرِهَ لِلْمَعْذُورِ وَالْمَسْجُونِ أَدَاءُ الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي الْمِصْرِ يَوْمَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْجَمَاعَاتِ قَيَّدَ بِالْمِصْرِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ فِي حَقِّ أَهْلِ السَّوَادِ وَتَخْصِيصُهَا بِالذِّكْرِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ بَلْ لِيُعْلَمَ مِنْهُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِمَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ.
(وَمَنْ أَدْرَكَهَا) أَيْ الْجُمُعَةَ (فِي التَّشَهُّدِ أَوْ سُجُودِ السَّهْوِ يُتِمُّ جُمُعَةً) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ.
(وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُتِمُّ ظُهْرًا إنْ لَمْ يُدْرِكْ أَكْثَرَ الثَّانِيَةِ) بِأَنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ جُمُعَةٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ نَوَى الْجُمُعَةَ لَا إدْرَاكَ جُزْءٍ مِنْهَا وَظُهْرٌ مِنْ وَجْهٍ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْجُمُعَةِ فِيمَا يَقْضِيهِ فَبِاعْتِبَارِ الْجُمُعَةِ تُفْتَرَضُ الْقَعْدَةُ عَلَى رَأْسِ الثَّانِيَةِ وَالْقِرَاءَةُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ وَبِاعْتِبَارِ الظُّهْرِ لَا تُفْتَرَضُ فَوَجَبَتْ الْقَعْدَةُ وَالْقِرَاءَةُ فِي الْكُلِّ احْتِيَاطًا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا وَمَنْ أَدْرَكَهُمْ قُعُودًا صَلَّى أَرْبَعًا» وَلَهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ» وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَعْدَةِ فِيمَا رَوَاهُ قُعُودٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ قُعُودًا فِي الصَّلَاةِ؛ وَالْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ مُخْتَلِفَانِ فَلَا يَبْنِي أَحَدُهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْآخَرِ.
(وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ) أَيْ صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ (فَلَا صَلَاةَ) فَمَنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتِمُّ وَلَا يَقْطَعُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجِيِّ.
(وَلَا كَلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا يُبَاحُ الْكَلَامُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ) لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلْإِخْلَالِ بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ وَلَا اسْتِمَاعَ هُنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا تَمْتَدُّ فَتُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الْكَلَامِ إذَا نَزَلَ حَتَّى يُكَبِّرَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ ذِكْرِهِ فِي الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَكَانَ إحْرَازًا بِفَضِيلَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ.
(وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ) وَالْوَاقِعِ عَقِيبَ الزَّوَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} وَقِيلَ بِالْأَذَانِ الثَّانِي لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْأَذَانَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ يَفُوتُهُ أَدَاءُ السُّنَّةِ وَسَمَاعُ الْخُطْبَةِ وَرُبَّمَا يُفَوِّتُ الْجُمُعَةَ إذَا كَانَ بَيْتُهُ بَعِيدًا مِنْ الْجَامِعِ.
(فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَانِيًا) وَبِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ (وَاسْتَقْبَلُوهُ مُسْتَمِعِينَ) مُنْصِتِينَ سَوَاءٌ كَانُوا قَرِيبِينَ أَوْ بَعِيدِينَ فِي الْأَصَحِّ فَلَا يُشَمِّتُونَ عَاطِسًا وَلَا يَرُدُّونَ سَلَامًا وَلَا يَقْرَءُونَ قُرْآنًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّونَ السَّلَامَ وَيُشَمِّتُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا دَامَ الْخَطِيبُ فِي حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْمَوَاعِظِ فَعَلَيْهِمْ الِاسْتِمَاعُ فَإِذَا أَخَذَ فِي مَدْحِ الظَّلَمَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ.
(فَإِذَا أَتَمَّ) الْخَطِيبُ (الْخُطْبَةَ أُقِيمَتْ) وَصَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُ الْخَطِيبِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مَعَ الْخُطْبَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِنْ فَعَلَ بِأَنْ خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى بَالِغٌ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِالسَّفَرِ يَوْمَهَا إذَا خَرَجَ مِنْ عُمْرَانِ الْبَلَدِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فِيهِ وَيَخْطُبُ بِسَيْفٍ فِي بَلْدَةٍ فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ وَإِلَّا لَا.

.بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَمُتَعَلِّقِهِمَا:

وَسُمِّيَ يَوْمُ الْعِيدِ بِالْعِيدِ لِأَنَّ لِلَّهِ فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ إلَى عِبَادِهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَعُودُ وَيَتَكَرَّرُ أَوْ لِأَنَّهُ يَعُودُ بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْغَالِبَةِ عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى جَمْعُهُ أَعْيَادٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ أَعْوَادٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْدِ لَكِنْ جُمِعَ بِالْيَاءِ لِيَكُونَ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُودِ أَيْ الْخَشَبِ وَكَانَتْ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَوَجْهُ تَقْدِيمِهَا غَيْرُ خَفِيٍّ (تَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} قِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا صَلَاةُ الْعِيدِ وَكَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ} وَلِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ وَذَا دَلِيلُ الْوُجُوبِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَقُولُ: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْمُوَاظَبَةِ كَلَامٌ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْمُوَاظَبَةِ لَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ ذَكَرْنَاهُ فِي بَحْثِ الِاسْتِنْجَاءِ وَقِيلَ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْمُؤَكَّدَةِ كَالْوَاجِبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ.

.شروط صلاة العيدين:

(وَشَرَائِطُهَا كَشَرَائِطِ الْجُمُعَةِ وُجُوبًا وَأَدَاءً) تَمْيِيزٌ أَيْ كَشَرَائِطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَوُجُوبِ أَدَائِهَا مِنْ نَحْوِ الْإِقَامَةِ وَالْمِصْرِ فَلَا يُصَلِّي أَهْلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِي (سِوَى الْخُطْبَةِ) فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي الْجُمُعَةِ لَا فِي الْعِيدِ فَالْجُمُعَةُ بِدُونِ الْخُطْبَةِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَكِنْ أَسَاءَ بِتَرْكِهَا لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ وَتُقَدَّمُ الْخُطْبَةُ فِي الْجُمُعَةِ وَتُؤَخَّرُ فِي الْعِيدِ.
وَلَوْ قُدِّمَتْ فِي الْعِيدِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَا تُعَادُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَتُقَدَّمُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا لَكِنْ تُقَدَّمُ عَلَى خُطْبَةِ الْعِيدِ.
(وَنُدِبَ) أَيْ اُسْتُحِبَّ (فِي الْفِطْرِ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ صَلَاتِهِ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ حُلْوًا.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «يَأْكُلُ تَمَرَاتٍ وَتْرًا» فَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ قَبْلَهَا لَا يَأْثَمُ لَكِنْ بِالتَّرْكِ فِي الْيَوْمِ يُعَاقَبُ.
(وَيَسْتَاكُ وَيَغْتَسِلُ) وَهُمَا سُنَّتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ ذَكَرَهُمَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يُقَالَ سَمَّاهُمَا مُسْتَحَبًّا لِاشْتِمَالِ السُّنَّةِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ (وَيَتَطَيَّبُ) لِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ لِئَلَّا يَقَعَ التَّأَذِّي بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ.
(وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) جَدِيدًا كَانَ أَوْ مَغْسُولًا لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ «كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ حُلَّةً حَمْرَاءَ».
وَفِي الْفَتْحِ أَنَّ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَوْبَيْنِ مِنْ الْيَمَنِ فِيهِمَا خُطُوطٌ حُمْرٌ وَخُضْرٌ لَا أَنَّهُ أَحْمَرُ بَحْتٌ (وَيُؤَدِّي فِطْرَتَهُ) الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ لِصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَحْوَالًا أَحَدُهَا قَبْلَ دُخُولِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَهُوَ جَائِزٌ ثَانِيهَا يَوْمَهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» ثَالِثُهَا يَوْمَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهُوَ جَائِزٌ لِمَا رَوَيْنَاهُ رَابِعُهَا بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِالْأَدَاءِ كَمَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ بَعْدَ الْقُدْرَةِ (وَيَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى) وَالْمُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مَاشِيًا إلَّا بِعُذْرٍ وَالرُّجُوعُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَلَى الْوَقَارِ مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي وَالتَّهْنِئَةِ بِتَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ؛ لَا تُنْكَرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَكَذَا الْمُصَافَحَةُ بَلْ هِيَ سُنَّةٌ عَقِيبَ الصَّلَاةِ كُلِّهَا وَعِنْدَ الْمُلَاقَاةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي مِصْرٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ كَمَا فِي الْفَتْحِ لَكِنْ قَدْ كَانَ جَوَازُ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ لِدَفْعِ الْحَرَجِ لِأَنَّ فِي اتِّحَادِ الْمَوْضِعِ حَرَجًا بَيِّنًا لِاسْتِدْعَائِهِ تَطْوِيلَ الْمَسَافَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَجْرِي فِي الْعِيدِ عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ جَوَازَهُ اتِّفَاقًا وَبِهَذَا عَمِلَ النَّاسُ الْيَوْمَ.
(وَلَا يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ) فِي طَرِيقِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ يَجْهَرُ اعْتِبَارًا بِالْأَضْحَى وَلَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الذِّكْرِ الْإِخْفَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّك فِي نَفْسِك تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ} وَقَدْ وَرَدَ الْجَهْرُ بِهِ فِي الْأَضْحَى لِكَوْنِهِ يَوْمَ تَكْبِيرٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ.
وَفِي التَّبْيِينِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ الْعَامَّةُ عَنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِسَائِرِ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ كَمَا فِي الْفَتْحِ بَلْ التَّكْبِيرُ سِرًّا فِي طَرِيقِهِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْإِمَامِ.
(وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا) فِي الْمُصَلَّى وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا مُطْلَقًا وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» لَكِنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ بَلْ إنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الضُّحَى فَإِذَا فَاتَتْ بِعُذْرٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا وَهُوَ أَفْضَلُ وَيَقْرَأَ فِيهَا سُورَةَ الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وَاللَّيْلِ وَالضُّحَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ ثَلَاثَةَ مَرَّاتٍ أُعْطِيَ لَهُ ثَوَابٌ بِعَدَدِ كُلِّ مَا نَبَتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا فِي الْمَسْعُودِيَّةِ.

.وقت صلاة العيدين:

(وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ إلَى زَوَالِهَا) أَيْ إلَى مَا قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَالْغَايَةُ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْمُغَيَّا بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ لَمْ تَجُزْ عِنْدَ قِيَامِهَا رُوِيَ «أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَأَمَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ» وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمَا أَخْرَجَهَا.
(وَصِفَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ) فَيَرْبِطُ يَدَيْهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ لَا بُدَّ مِنْهَا لِأَنَّ مُرَاعَاةَ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ وَاجِبٌ حَتَّى لَوْ قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (ثُمَّ يُثْنِي) أَيْ يَقْرَأُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ وَيَتَعَوَّذُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ (ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا) مِنْ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَيْسَ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَلَا مُسْتَحَبٌّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْمُكْثُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ لَيْسَ هَذَا الْقَدْرُ بِلَازِمٍ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَقِلَّتِهِ (ثُمَّ يَقْرَءُوا الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً) أَيَّةَ سُورَةٍ شَاءَ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ يَقْرَأُ الْأَعْلَى فِي الْأُولَى وَالْغَاشِيَةَ فِي الثَّانِيَةِ (ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيَبْدَأُ فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ) يَعْنِي يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً أَوَّلًا (ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا) أُخْرَى (ثُمَّ أُخْرَى لِلرُّكُوعِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكَبِّرُ سَبْعًا فِي الْأَوَّلِ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَيَذْكُرُ اللَّهَ بَيْنَهُنَّ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَقَوْلُنَا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ) ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ وَلَوْ قَيَّدَهُ بِإِلَّا إذَا كَبَّرَ رَاكِعًا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ سَهْوًا فَذَكَرَهَا فِي الرُّكُوعِ قَضَاهَا فِيهِ وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ (وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ (خُطْبَتَيْنِ) وَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ خُطْبَةَ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ تَتْرَى وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُوَ مِنْ السُّنَّةِ وَيُكَبِّرُ قَبْلَ نُزُولِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى (يُعَلِّمُ النَّاسَ أَحْكَامَ الْفِطْرَةِ) لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهَا.
(وَلَا تُقْضَى) صَلَاةُ الْعِيدِ (إنْ فَاتَتْ مَعَ الْإِمَامِ) كَلِمَةُ مَعَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي فَاتَتْ لَا بِفَاتَتْ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَلَّاهَا مَعَ جَمَاعَةٍ وَفَاتَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ لَا يَقْضِيهَا مَنْ فَاتَتْهُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُقْضَى.
(وَإِنْ مَنَعَ عُذْرٌ) بِأَنْ غَمَّ الْهِلَالُ وَشَهِدُوا بِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ التَّقْيِيدَ بِالْهِلَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ عُذْرٌ مَانِعٌ كَالْمَطَرِ الشَّدِيدِ وَشِبْهِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا مِنْ الْغَدِ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ لِلْعُذْرِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (عَنْهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ (فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ صَلَّوْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِهَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ إلَى الْغَدِ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى لَوْ تُرِكَتْ سَقَطَتْ.
(وَلَا تُصَلَّى بَعْدَهُ) وَلَوْ بِعُذْرٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ لَا تُقْضَى لَكِنْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِتَأْخِيرِهَا إلَى الْغَدِ لِلْعُذْرِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ.
(وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ) فِي الْكُلِّ إلَّا فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لَكِنْ يُسْتَحَبُّ) قِيلَ: يُسَنُّ مُطْلَقًا وَقِيلَ: يُسَنُّ لِمَنْ يُضَحِّي دُونَ غَيْرِهِ لِيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ أَوَّلًا (تَأْخِيرُ الْأَكْلِ فِيهَا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ لَا يَطْعَمُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ» وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْإِمْسَاكَ لَيْسَ بِصَوْمٍ وَلِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ هَذَا فِي حَقِّ الْمِصْرِيِّ أَمَّا الْقَرَوِيُّ فَإِنَّهُ يَذُوقُ مِنْ حِينِ أَصْبَحَ وَلَا يُمْسِكُ.
(وَلَا يُكْرَهُ) الْأَكْلُ (قَبْلَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (فِي الْمُخْتَارِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْأَكْلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ.
(وَيَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى) وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَالْجَهْرُ سُنَّةٌ فِيهِ اتِّفَاقًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ عِنْدَ انْتِهَائِهِ إلَى الْمُصَلَّى لِأَنَّ إطْلَاقَهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْمُصَلَّى وَهُوَ رِوَايَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَشْرَعَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْكَافِي.
(وَيُعَلِّمُ فِي الْخُطْبَةِ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ وَالْأُضْحِيَّةَ) لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَعْلِيمِ أَحْكَامِ الْوَقْتِ هَكَذَا ذَكَرُوا مَعَ أَنَّ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ يَحْتَاجُ إلَى تَعْلِيمِهِ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْإِتْيَانِ بِهِ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّمَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي يَلِيهَا الْعِيدُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَالْعِلْمُ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِ الْعُلَمَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا) أَيْ صَلَاةِ الْأَضْحَى (إلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ) وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَكِنَّهُ يُسِيءُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمَا فِيهِ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ بِلَا ضَرُورَةٍ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالْوُجُوبِ فَالْعُذْرُ فِي الْأَضْحَى لِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ وَفِي الْفِطْرِ لِلْجَوَازِ.
(وَالِاجْتِمَاعُ يَوْمَ عَرَفَةَ) فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ (تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ) بِعَرَفَاتٍ (لَيْسَ بِشَيْءٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ مَطْلُوبُ الِاجْتِنَابِ.
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لَيْسَ بِشَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْإِبَاحَةِ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ: إنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ فِعْلُ ذَلِكَ بِالْبَصْرَةِ وَهَذِهِ الْمُقَاسَمَةُ تُفِيدُ أَنَّ مُقَابِلَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأُصُولِ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْوُقُوفَ عَهْدُ قُرْبَةٍ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي غَيْرِهِ انْتَهَى أَقُولُ: إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْكَرَاهَةَ بَلْ أَنْ لَا يَكُونَ قُرْبَةً فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِمَا فِي الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَمَا ذَكَرَ وَلَا يَجُوزُ الِاخْتِرَاعُ فِي الدَّيْنِ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ لَا عَلَى التَّشْبِيهِ.
(وَيَجِبُ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ) وَقِيلَ: يُسَنُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِلْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْمُرَادِ بِالْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ وَهُوَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ لَا الِافْتِرَاضَ.
وَفِي الْفَتْحِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ التَّكْبِيرُ الَّذِي هُوَ التَّشْرِيقُ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ لَا يُسَمَّى تَشْرِيقًا إلَّا إذَا كَانَ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَخْصُوصَةِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَفُصِّلَ كُلَّ التَّفْصِيلِ فَلْيُرَاجَعْ (مِنْ فَجْرِ) يَوْمِ (عَرَفَةَ) لِاتِّفَاقِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ ظُهْرِ النَّحْرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْأَشْهَرِ (إلَى عَصْرِ يَوْمِ الْعِيدِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ عَقِيبَ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ (عَلَى الْمُقِيمِ بِالْمِصْرِ) فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْقَرَوِيِّ (عَقِيبَ) كُلِّ (فَرْضٍ) بِلَا فَصْلٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَلَا يُكَبِّرُ بَعْدَ الْوَاجِبَةِ وَالْمَسْنُونَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكَبِّرُ بَعْدَهَا وَالْبَلْخِيُّونَ يُكَبِّرُونَ بَعْدَ الْعِيدِ لِأَنَّهُ كَالْجُمُعَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي عَدَمَهُ (أُدِّيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ صِفَةُ فَرْضٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي الْقَضَاءِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُكَبِّرُ فَوْرَ فَائِتَةِ هَذِهِ الْأَيَّامِ إذَا قَضَاهَا فِيهَا وَإِنْ قَضَى فَائِتَتَهَا فِيهَا مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكَبِّرُ وَإِنْ قَضَاهَا فِي غَيْرِهَا لَا يُكَبِّرُ كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةً غَيْرَهَا فِيهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ قَالَ: أَوْ قَضَى فِيهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَكَانَ أَوْلَى (بِجَمَاعَةٍ) فَلَا يُكَبِّرُ الْمُنْفَرِدُ (مُسْتَحَبَّةٍ) أَيْ غَيْرِ مَكْرُوهَةٍ فَلَا تُكَبِّرْ النِّسَاءُ الْمُصَلِّيَاتُ وَحْدَهُنَّ بِجَمَاعَةٍ وَكَذَا جَمَاعَةُ الْعُرَاةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَبِالِاقْتِدَاءِ) بِمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْبِيرُ (يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ) بِلَا رَفْعِ الصَّوْتِ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ (وَالْمُسَافِرِ) بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ إذَا صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ فِي مِصْرٍ فَفِيهِمْ رِوَايَتَانِ (وَعِنْدَهُمَا إلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ عَقِيبَ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ وَأَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ (عَلَى مَنْ يُصَلِّي الْفَرْضَ) عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، سَوَاءٌ أَدَّى بِجَمَاعَةٍ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُصَلِّي رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا أَوْ أَهْلَ قَرْيَةٍ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ.
(وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبَاهُ (الْعَمَلُ) أَيْ عَمَلُ النَّاسِ احْتِيَاطًا فِي الْعِبَارَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ.

.صِفَةُ التَّكْبِيرِ في صلاة العيدين:

(وَصِفَتُهُ) أَيْ صِفَةُ التَّكْبِيرِ (أَنْ يَقُولَ مَرَّةً) حَتَّى لَوْ زَادَ لَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا مُتَّصِلًا وَلَا يَذْكُرْ فِيهِ التَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ (وَيَتْرُكُهُ الْمُؤْتَمُّ إنْ تَرَكَهُ إمَامُهُ) وَفِي الْهِدَايَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: صَلَّيْت بِهِمْ الْمَغْرِبَ أَيْ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَهَوْت أَنْ أُكَبِّرَ فَكَبَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ دَلَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ وَإِنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ لَا يَدَعُهُ الْمُقْتَدِي وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ فِيهِ حَتْمًا وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَيَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْإِمَامَ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ أَحْدَثَ عَامِدًا يُكَبِّرُ وَإِنْ أَحْدَثَ غَيْرَ عَامِدٍ يُكَبِّرُ وَإِنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي غَيْرِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لِإِتْيَانِهِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُكَبِّرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَيَجِبُ عَلَى الْمَسْبُوقِ فَيُكَبِّرُ عَقِيبَ الْقَضَاءِ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ بِسَجْدَةِ السَّهْوِ ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ لَوْ مُحْرِمًا.

.بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ:

(إنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ) وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَيْسَ الِاشْتِدَادُ شَرْطًا عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا قَالَ فِي التُّحْفَةِ: سَبَبُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَوْفِ نَفْسُ قُرْبِ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْخَوْفِ وَالِاشْتِدَادِ لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ الْخَوْفَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ حَضْرَةِ الْعَدُوِّ وَالِاشْتِدَادُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُقَابَلَةِ تَدَبَّرْ (مِنْ عَدُوٍّ) سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا بَاغِيًا أَوْ كَافِرًا طَاغِيًا وَالْعَدُوُّ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ (أَوْ سَبُعٍ) وَمَا أَشْبَهَهُ وَدَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَحَانَ خُرُوجُهُ (جَعَلَ الْإِمَامُ) أَيْ الْخَلِيفَةُ أَوْ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ (طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ) بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهُمْ أَذَاهُمْ وَضَرَرُهُمْ.
(وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ) أُخْرَى (رَكْعَةً إنْ كَانَ) الْإِمَامُ (مُسَافِرًا أَوْ فِي) صَلَاةِ (الْفَجْرِ) أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدَيْنِ.
(وَ) صَلَّى (رَكْعَتَيْنِ) فِي الرُّبَاعِيِّ (إنْ كَانَ مُقِيمًا أَوْ فِي) صَلَاةِ (الْمَغْرِبِ) فَإِنَّ حُكْمَهَا كَحُكْمِ الرُّبَاعِيِّ (وَمَضَتْ) أَيْ ذَهَبَتْ (هَذِهِ) الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الثُّنَائِيِّ وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي غَيْرِهِ (إلَى) جَانِبِ (الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ) الْوَاقِعَةُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ.
(وَصَلَّى) أَيْ الْإِمَامُ (بِهِمْ مَا بَقِيَ) وَهِيَ رَكْعَةٌ فِي الثُّنَائِيِّ وَالْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَانِ فِي غَيْرِهِمَا (وَسَلَّمَ) أَيْ الْإِمَامُ (وَحْدَهُ) بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلَا يُسَلِّمُونَ (وَذَهَبُوا إلَى) وَجْهِ (الْعَدُوِّ) وَلَوْ أَتَمُّوا فِي مَكَانِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا جَازَ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ مَا ذَكَرَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى وَأَتَمُّوا) مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ (بِلَا قِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ وَلِذَا لَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ فَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ وَيَمْضُونَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ (ثُمَّ) جَاءَتْ (الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى وَأَتَمُّوا) صَلَاتَهُمْ (بِقِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ وَالْمَسْبُوقُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ فَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ هَكَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْكُلُّ مُسَافِرِينَ أَوْ مُقِيمِينَ أَوْ الْإِمَامُ مُقِيمًا وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا وَالْقَوْمُ أَوْ بَعْضُهُمْ مُقِيمِينَ فَفِي الثُّنَائِيِّ يُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَةً بِكُلِّ أُمَّةٍ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ جَاءَتْ الْأُولَى فَصَلَّى الْمُسَافِرُ رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ وَالْمُقِيمُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِغَيْرِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِقِرَاءَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةِ وَأَمَّا الْأُمَّةُ الثَّانِيَةُ فَتُصَلِّي بِقِرَاءَةِ الْمُسَافِرِ رَكْعَةً وَالْمُقِيمِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَمَامَ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّيَ بِالْأُخْرَى إمَامٌ آخَرُ وَهُنَاكَ كَيْفِيَّاتٌ أُخْرَى مَعْلُومَةٌ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأُولَى كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَيُبْطِلُهَا) أَيْ صَلَاةَ الْخَوْفِ (الْمَشْيُ) هَارِبًا عَنْ الْعَدُوِّ لَا الْمَشْيُ نَحْوَهُ وَالرُّجُوعُ (وَالرُّكُوبُ وَالْمُقَاتَلَةُ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَإِنَّمَا جَوَّزَ الْمَشْيَ وَنَحْوَهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
وَفِي الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ وَيُفْسِدُهَا الرُّكُوبُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْهَا يَعْنِي مِنْ شَرَائِطِ الْجَوَازِ أَنْ يَنْصَرِفَ مَاشِيًا وَلَا يَرْكَبُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَلَوْ رَكِبَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى يَصْطَفُّوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَلَا يَجُوزُ الْمَشْيُ وَالْقِتَالُ مُصَلِّيًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا يُصَلُّونَ وَهُمْ يَمْشُونَ كَمَا لَا يُصَلُّونَ وَهُمْ يُقَاتِلُونَ وَمِنْ الْمَنْقُولِينَ اتَّضَحَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الرُّكُوبِ لَمْ يُصِبْ انْتَهَى.
(وَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ) بِحَيْثُ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُمْ النُّزُولُ عَنْ الدَّوَابِّ (وَعَجَزُوا عَنْ الصَّلَاةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ) الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا (صَلَّوْا وُحْدَانًا) فَلَا تَجُوزُ الْجَمَاعَةُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُقْتَدِي عَلَى دَابَّةٍ مَعَ الْإِمَامِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجَمَاعَةَ جَائِزَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِانْعِدَامِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ (رُكْبَانًا) جَمْعُ رَاكِبٍ هَذَا فِي غَيْرِ الْمِصْرِ إذْ التَّنَفُّلُ فِي الْمِصْرِ رَاكِبًا غَيْرُ صَحِيحٍ فَالْفَرْضُ أَوْلَى (يُومِئُونَ) أَيْ بِإِيمَاءِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرُوا إنْ عَجَزُوا عَنْ التَّوَجُّهِ) إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ.
(وَلَا تَجُوزُ) صَلَاةُ الْخَوْفِ (بِلَا حُضُورِ عَدُوٍّ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا لِلْخَوْفِ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ (وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُجِيزُهَا) أَيْ صَلَاةَ الْخَوْفِ (بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلْأُصُولِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاةَ} الْآيَةُ وَجَوَابُهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ صَلَّوْهَا بِطَبَرِسْتَانَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ فَكَانَ إجْمَاعًا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.

.بَابُ صَلَاةِ الْجَنَائِزِ:

جَمْعُ جِنَازَةٍ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَبِالْكَسْرِ النَّعْشُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ لِلْغُسْلِ أَوْ الْحَمْلِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ لَا يُقَالُ إلَّا بِالْفَتْحِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حَالِ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حَالِ الْمَمَاتِ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ لِيَكُونَ خَتَمَ كِتَابَ الصَّلَاةِ بِمَا يَتَبَرَّكُ بِهِ حَالًا وَمَكَانًا (يُوَجَّهُ الْمُحْتَضَرُ) بِفَتْحِ الضَّادِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ أَمَارَاتُهُ وَأَمَّا مَا قِيلَ مَنْ حَضَرَتْهُ مَلَائِكَةُ الْمَوْتِ فَلَيْسَ بِسَدِيدٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَعَلَامَةُ الِاحْتِضَارِ أَنْ يَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ وَيَتَعَوَّجَ أَنْفُهُ وَيَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدَّ جِلْدَةُ الْخُصْيَةِ (إلَى الْقِبْلَةِ) مُضْطَجِعًا (عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) لِأَنَّهُ السُّنَّةُ الْمَنْقُولَةُ هَذَا إذَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ وَإِلَّا تُرِكَ عَلَى حَالِهِ وَجُعِلَ رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَالْمَرْجُومُ لَا يُوَجَّهُ وَيُسْتَحَبُّ لِآبَائِهِ وَجِيرَانِهِ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَيَتْلُوا سُورَةَ يَس وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قِرَاءَةَ سُورَةِ الرَّعْدِ وَيَضَعُوا عِنْدَهُ الطِّيبَ (وَاخْتِيرَ الِاسْتِلْقَاءُ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يُلْقَى عَلَى قَفَاهُ وَقَدَمَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ قَالُوا: هُوَ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ وَيُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ لَكِنْ لَمْ يُذْكَرْ وَجْهُ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا نَقْلًا مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ السُّنَّةُ تَفَكَّرْ (وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ) فَيَجِبُ عَلَى إخْوَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ أَنْ يَقُولُوا عِنْدَهُ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ وَلَا يَقُولُوا لَهُ قُلْ كَيْ لَا يَأْبَى عَنْهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» اللَّهُمَّ يَسِّرْهَا لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا أَجْمَعِينَ فَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً كَفَاهُ وَلَا يُكْثِرُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَاخْتَلَفُوا فِي تَلْقِينِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ فَقِيلَ: يُلَقَّنُ لِأَنَّهُ يُعَادُ رُوحُهُ وَعَقْلُهُ وَيَفْهَمُ مَا يُلَقَّنُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ: يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ وَقُلْ رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَبِيًّا وَقِيلَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُنْهَى.
وَقَالَ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ وَالْمَشَايِخِ: لَا يَجُوزُ لَكِنْ قَالَ مُحَمَّدٌ الْكَرْمَانِيُّ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ فَالْأَحْسَنُ تَلْقِينُهُ.
(فَإِذَا مَاتَ شَدُّوا لَحْيَيْهِ) وَهُوَ مَنْبِتُ اللِّحْيَةِ (وَغَمَّضُوا) بِالتَّشْدِيدِ (عَيْنَيْهِ) لِلتَّوَارُثِ وَيَقُولُ مُغَمِّضُهُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ ثُمَّ تُمَدُّ أَعْضَاؤُهُ وَيُوضَعُ سَيْفٌ عَلَى بَطْنِهِ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَلَا يُقْرَأُ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْغُسْلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ النُّتَفِ لَكِنْ فِي النُّتَفِ وَقَعَ إلَى أَنْ يُرْفَعَ فَقَطْ وَفَسَّرُوهُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ الرُّوحُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْقُهُسْتَانِيَّ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَى الْغُسْلِ وَخَالَفَ أَكْثَرَ الْمُعْتَبَرَاتِ تَدَبَّرْ.
(وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ دَفْنِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «عَجِّلُوا دَفْنَ مَوْتَاكُمْ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا قَدَّمْتُمُوهُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَبَعِّدُوا أَهْلَ النَّارِ» وَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ النَّاسِ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ.
(وَإِذَا أَرَادُوا غَسْلَهُ) وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْأَحْيَاءِ (وُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ) لِيُصَبَّ الْمَاءُ مِنْ (مِجْمَرٍ وَتْرًا) بِأَنْ يُدَارَ الْمِجْمَرُ حَوْلَ السَّرِيرِ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ خَمْسًا وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَيِّتِ وَالْوَتْرُ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِهِ (وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ) أَيْ يُشَدُّ الْإِزَارُ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا حَرَامٌ كَعَوْرَةِ الْحَيِّ وَيُكْتَفَى بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ هُوَ الصَّحِيحُ تَيْسِيرًا لَكِنْ يَغْسِلُهَا بِخِرْقَةٍ فِي يَدِهِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ وَقَعَ فِي التَّبْيِينِ وَالْغَايَةِ خِلَافُهُ لِأَنَّهُمَا قَالَا وَيُسْتَرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُغَسَّلُ فِي قَمِيصِهِ إذَا كَانَ كُمُّ الْقَمِيصِ وَاسِعًا بِحَيْثُ يُدْخِلُ الْغَاسِلُ يَدَهُ فَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا يُجَرَّدُ وَيُغَسَّلُ وَيُوضَعُ عَلَى السَّرِيرِ كَمَا تَيَسَّرَ وَقِيلَ: يُوضَعُ طُولًا وَقِيلَ عَرْضًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَلَا يُغَسَّلُ الْكَافِرُ فِي الْأَصَحِّ (وَيُجَرَّدُ) عَنْ ثِيَابِهِ لِيُمْكِنَ التَّنْظِيفُ قَالُوا يُجَرَّدُ كَمَا مَاتَ لِأَنَّ الثِّيَابَ يَحْمِي فَيُسَرَّعُ التَّغْيِيرُ (وَيُوَضَّأُ بِلَا مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ) لِأَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةُ الِاغْتِسَالِ غَيْرَ أَنَّ إخْرَاجَ الْمَاءِ مُتَعَذِّرٌ فَيُتْرَكَانِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَفِي اقْتِصَارِ النَّفْيِ عَلَيْهِمَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وُجُوبَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْمَسْحِ عَلَى الرَّأْسِ يُرَاعَى وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَا وَأَطْلَقَهُ فَيَشْمَلُ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ لَا يُوَضَّأُ (وَيُغَسَّلُ بِمَاءٍ مَغْلِيٍّ بِسِدْرٍ) وَهُوَ شَجَرٌ بِالْبَادِيَةِ وَالْمُرَادُ وَرَقُهُ (أَوْ حُرْضٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ الْأُشْنَانُ (إنْ وُجِدَ) مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ الْمَغْلِيُّ بِهِمَا (فَالْقَرَاحُ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ الْمَاءُ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ شَيْءٌ وَالْمُسَخَّنُ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ أَفْضَلُ (وَغَسْلُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِالْخِطْمِيِّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَهُوَ نَبْتٌ مَشْهُورٌ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْوَسَخِ وَالْمُرَادُ خِطْمِيُّ الْعِرَاقِ وَهُوَ مِثْلُ الصَّابُونِ فِي التَّنْظِيفِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَبِصَابُونٍ وَنَحْوِهِ هَذَا إذَا كَانَ فِي رَأْسِهِ شَعْرٌ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ (وَأُضْجِعَ عَلَى يَسَارِهِ) لِلْبِدَايَةِ بِالْيَمِينِ (فَيُغَسَّلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّحْتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ يَسَارِهِ (ثُمَّ) أُضْجِعَ (عَلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ) أَيْ وَيُغَسَّلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّحْتَ مِنْهُ (ثُمَّ يُجْلَسُ) حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَنِدًا وَيُمْسَحُ بَطْنُهُ بِرِفْقٍ) لِيَسِيلَ مَا بَقِيَ فِي الْمَخْرَجِ حَتَّى لَا يَتَلَوَّثَ الْكَفَنُ (فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ تَنْظِيفًا لَهُ (وَلَا يُعِيدُ غُسْلَهُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَفَتْحِهَا (وَلَا) يُعِيدُ (وُضُوءَهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِأَنَّ الْخَارِجَ إنْ كَانَ حَدَثًا فَالْمَوْتُ أَيْضًا حَدَثٌ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَكَذَا هَذَا الْحَدَثُ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى سَعْدِيُّ أَفَنْدِي بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجِبْ لَمْ يُوَضَّأْ غَايَتُهُ أَنَّهُ يَكُونُ مِثْلَ الْمَعْذُورِ لَا يُوَضَّأُ مَرَّةً أُخْرَى لِهَذَا الْحَدَثِ الْقَائِمِ وَأَمَّا عَدَمُ التَّوَضُّؤِ لِحَدَثٍ آخَرَ فَلَا يَدُلُّ مَا ذَكَرَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَعْذُورَ إذَا أَحْدَثَ بِحَدَثٍ آخَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ انْتَهَى لَكِنَّ التَّمْثِيلَ بِالْمَعْذُورِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَانْتِقَاضُ وُضُوئِهِ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَا وَقْتَ لَهُ بَلْ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ تَأَمَّلْ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعِيدُ الْوُضُوءَ (وَيُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ) نَظِيفٍ حَتَّى يَجِفَّ كَيْ لَا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ.
(وَيَجْعَلُ الْحَنُوطَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ عِطْرٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَشْيَاءَ طَيِّبَةٍ وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الطِّيبِ غَيْرِ زَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ اعْتِبَارًا بِالْحَيَاةِ (عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ) لِأَنَّ التَّطَيُّبَ سُنَّةٌ.
(وَالْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ) أَيْ مَوَاضِعِ سُجُودِهِ مِنْ جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ (وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ وَلِحْيَتُهُ) التَّسْرِيحُ عِبَارَةٌ عَنْ تَخْلِيصِ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ وَقِيلَ تَخْلِيلُهُ بِالْمُشْطِ وَأَمَّا مَا قِيلَ وَلِحْيَتُهُ تَكْرَارٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَشَعْرُهُ يُغْنِي عَنْهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّ الشَّعْرَ فِي الْعُرْفِ لَا يُطْلَقُ عَلَى اللِّحْيَةِ فَالْأَنْسَبُ ذِكْرُهَا.
(وَلَا يُقَصُّ ظُفْرُهُ وَشَعْرُهُ) لِأَنَّهَا لِلزِّينَةِ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهَا وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إذَا كَانَ الظُّفْرُ مُنْكَسِرًا فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ وَفِي الْعَتَّابِيِّ لَوْ قُطِعَ ظُفْرُهُ أَوْ شَعْرُهُ أُدْرِجَ مَعَهُ فِي الْكَفَنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسَرَّحُ بِمُشْطٍ وَاسِعٍ وَيُقَصُّ ظُفْرُهُ وَشَعْرُهُ.
(وَلَا يُخْتَنْ) لِأَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الْأَحْيَاءِ دُونَ الْأَمْوَاتِ.

.تكفين الميت:

(ثُمَّ يُكَفِّنُهُ) تَكْفِينُ الْمَيِّتِ لَفُّهُ بِالْكَفَنِ وَهُوَ وَاجِبٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ.
وَفِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَالْمُرَادُ مَا ثَبَتَ بِهَا فَإِنْ كَفَّنَهُ مِنْ مَالِهِ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَإِلَّا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ.
(وَسُنَّةُ كَفَنِ الرَّجُلِ) ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ أَحَدُهَا (قَمِيصٌ وَهُوَ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْقَدَمِ) بِلَا جَيْبٍ وَلَا دِخْرِيصٍ وَلَا كُمَّيْنِ.
(وَ) ثَانِيهَا (إزَارٌ وَ) ثَالِثُهَا (لِفَافَةٌ) بِالْكَسْرِ (وَهُمَا مِنْ الْقَرْنِ) أَيْ مِنْ الرَّأْسِ (إلَى الْقَدَمِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إزَارٌ وَلِفَافَتَانِ.
(وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْعِمَامَةَ) بِالْكَسْرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُعَمِّمُ الْمَيِّتَ وَيَجْعَلُ ذَنَبَ الْعِمَامَةِ عَلَى وَجْهِهِ هَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا مَعْرُوفًا أَوْ مِنْ الْأَشْرَافِ وَأَمَّا مِنْ الْأَوْسَاطِ فَلَا يُعَمَّمُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ صِغَارٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُكْرَهُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى (وَكِفَايَتُهُ) أَيْ كِفَايَةُ كَفَنِ الرَّجُلِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ النَّقْصُ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ مَدْيُونًا (إزَارٌ وَلِفَافَةٌ) قِيلَ: قَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
(وَسُنَّةُ كَفَنِ الْمَرْأَةِ) خَمْسَةٌ أَحَدُهَا (دِرْعٌ) أَيْ قَمِيصُهَا.
(وَ) ثَانِيهَا (إزَارٌ وَ) ثَالِثُهَا (خِمَارٌ) وَهُوَ مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا.
(وَ) رَابِعُهَا (لِفَافَةٌ وَ) خَامِسُهَا (خِرْقَةٌ تُرْبَطُ عَلَى ثَدْيَيْهَا وَكِفَايَتُهَا إزَارٌ وَخِمَارٌ وَلِفَافَةٌ) فَإِنْ كَانَتْ بِالْمَالِ كَثْرَةٌ وَبِالْوَرَثَةِ قِلَّةٌ فَكَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَكَفَنُ الْكِفَايَةِ أَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَاحِدِ (بِلَا ضَرُورَةٍ) فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا بَأْسَ بِكَفَنِ الصَّغِيرِ فِي ثَوْبٍ وَالصَّغِيرَةِ فِي ثَوْبَيْنِ لَكِنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يُكَفَّنَ فِيمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْبَالِغُ وَالْمُرَاهِقُ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ.
(وَيُسْتَحَبُّ الْأَبْيَضُ) لِأَنَّهُ أَمَارَةُ أَهْلِ الْإِيمَانِ.
(وَلَا يُكَفَّنُ) الرَّجُلُ (إلَّا فِيمَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (لُبْسُهُ حَالَ حَيَاتِهِ) فَلَا يَجُوزُ الْحَرِيرُ وَنَحْوُهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ لَكِنْ لَا يُزَادُ عَلَى ثَوْبٍ وَيَجُوزُ لِلنِّسَاءِ الْحَرِيرُ وَالْمُزَعْفَرُ وَالْمُعَصْفَرُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَتُجَمَّرُ الْأَكْفَانُ وَتْرًا) بِأَنْ يُدَارَ الْمِجْمَرُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا (قَبْلَ أَنْ يُدْرَجَ) الْمَيِّتُ (فِيهَا) أَيْ الْأَكْفَانِ وَالْإِجْمَارُ هُوَ التَّطْيِيبُ.
(وَتُبْسَطُ اللِّفَافَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْإِزَارُ عَلَيْهَا ثُمَّ يُقَمَّصُ وَيُوضَعُ عَلَى الْإِزَارِ) تَقْمِيصًا (ثُمَّ يُلَفُّ الْإِزَارُ مِنْ قِبَلِ يَسَارِهِ ثُمَّ مِنْ يَمِينِهِ) لِيَكُونَ الْأَيْمَنُ عَلَى الْأَيْسَرِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَإِنْ كَانَ الْإِزَارُ طَوِيلًا حَتَّى يُعْطَفَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ فَهُوَ أَوَّلًا (ثُمَّ) يُلَفُّ (اللِّفَافَةُ كَذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ تَلْبَسُ الدِّرْعَ) أَوَّلًا.
(وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ الدِّرْعِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْعَلُ ثَلَاثُ ضَفَائِرَ وَيُلْقَى خَلْفَ ظَهْرِهَا (ثُمَّ الْخِمَارُ فَوْقَ ذَلِكَ تَحْتَ اللِّفَافَةِ) ثُمَّ يُعْطَفُ الْإِزَارُ ثُمَّ اللِّفَافَةُ كَمَا فِي الرَّجُلِ ثُمَّ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ لِئَلَّا يَنْتَشِرَ الْأَكْفَانُ وَعَرْضُهَا مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى السُّرَّةِ.
(وَيُعْقَدُ الْكَفَنُ إنْ خِيفَ أَنْ يَنْتَشِرَ) صِيَانَةً عَنْ الْكَشْفِ.
وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ الْغَسِيلُ وَالْجَدِيدُ فِي الْكَفَنِ سَوَاءٌ.